ولأن التلفزيون يستمد قوته من ميزة التواصل والاطلاع والانفتاح على الثقافات الأخرى (بدون أن نُحرك عضلة) يصعب الوقوف في وجهه أو الحد من تأثيره مهما كانت الحجج والمبررات .. ولأنني أعي هذه الحقيقة جيدا لا أطمع بأكثر من (يوم عالمي واحد ) تُطفأ فيه تلفزيونات العالم وتجرب فيه العائلات متعة الحديث الهادئ مع بعضها البعض ... !!
... اليوم أيها السادة علمت بوجود ( أسبوع عالمي كامل ) لمقاطعة التلفزيون يحل في شهر أبريل من كل عام - وهذه بالمناسبة ليست كذبة أبريل - ... ورغم أنني أرى ( الأسبوع ) فترة طويلة لمقاطعة هذا الجهاز الساحر إلا أنني أراها خطوة معقولة للتوعية بضخامة الوقت الذي يسرقه منا يوميا .. وحملة المقاطعة هذه بدأت في أمريكا من خلال دعوات اعلانية تولتها هيئة خاصة تدعى تيرنت أوف (وترجمتها : أغلقه) .. وبحسب هذه الهيئة شارك في آخر حملة 24مليون انسان في أمريكا وحدها أطفأوا تلفزيوناتهم لمدد تتراوح من يوم إلى أسبوع كامل .. أما شعارها فهو "أطفئ التلفزيون وفعّل حياتك" انطلاقا من فكرة أن التلفزيون يسرق الكثير من حياة الفرد والعائلة وتواصل الوالدين مع أبنائهما (... أو العكس) ..
ورغم أن فكرة مقاطعة التلفزيون كانت شائعة في السبعينيات والثمانينيات إلا أن الانتشار الكاسح لمحطات البث الفضائي طغى عليها بسرعة . واليوم بدأت حملات المقاطعة تعود بالتدريج في كندا وأوربا ودول كثيرة حول العالم ( وإن كنت لم أسمع عن حملات مشابهة في عالمنا العربي ) !!
... ومن المعلوم أن الأمريكان يأتون في مقدمة شعوب العالم في متوسط المشاهدة اليومية للتلفزيون (بمعدل ثماني ساعات في اليوم) ثم الأتراك ب ( 5ساعات في اليوم) ثم الطليان ب ( 4ساعات في اليوم) .. وهذه الأرقام تعتبر كبيرة إذا قارناها بما تبقى من ساعات اليوم نفسه (بعد استقطاع وقت النوم والعمل) .. والهيئة السابقة تستشهد بدراسة أجرتها جامعة هارفارد تتهم التلفزيون بخفض نسبة التواصل بين العائلات الأمريكية - ومشاركة المواطن في الحياة الاجتماعية - منذ خمسينيات القرن الماضي ..
أما بالنسبة للأطفال فيتفاقم الخطر بسبب استعدادهم للتلقي والتقليد بلا نقد أو تمحيص، ومع الأيام يتحول التلفزيون الى "مرب سيئ" يقولب هوية مكررة لدى الطفل لا يلاحظها الأبوان .. أضف لهذا ثبت أن استرخاء الأطفال أمام التلفزيون - بدل الحركة والجري - يساهم في ارتفاع نسبة البدانة لديهم والميل لبقائهم بشكل رخو طوال العمر !!
... ورغم أنني لست ممن يرون التلفزيون شرا مطلقا، ولكنني أيضا لست سعيدا باستقطاعه كل هذا الوقت من حياتنا اليومية .. والمشكلة أن جيلنا الحالي تربى على وجود التلفزيون وبالتالي لم يعد يشعر بوجود خلل - في علاقاته الأسرية والاجتماعية - يمكن تلافيه بمجرد خفض ساعات المشاهدة ..
وحملة المقاطعة السنوية التي بدأنا بها المقال (واقترحتها منذ أغسطس الماضي) أتمنى تطبيقها لدينا - ليس لأن التلفزيون شر مطلق - بل لأنه يسرق منا أغلى هبتين في الحياة ..
أعمارنا المحدودة ..
ومتعة التواصل مع أطفالنا الصغار ..
الثلاثاء أبريل 22, 2008 1:24 pm